[center]قال أحدهم لأخيه في جلسة أخوية :
أحبك ( آآآآآآآآد ) الدنيا كلها..
فاظهر الآخر امتعاضا.. فسأله صاحبه عن سر ذلك..
قال :
كنت أظن أن لي مكانة كبيرة في نفسك..!!
قال الآخر :
سبحان الله.. والله ، والله أن لك مكانة كبيرة في قلبي..
قال صاحبه :
ولكنك تقول أنك تحبني آآد الدنيا..؟؟
فهل أنا هين عندك إلى هذه الدرجة... !!
فإن الدنيا _ يا صاحبي _ لا تساوي جناح بعوضة !!
فهتف صاحبه في انبهار :
دائما أتعلم منك..! الله أكبر.. يا أخي دعني اقبل راسك
والله أنك من اعظم نعم الله عليّ..
فاحتملني ، فإني ثقيل بطيء الفهم ، قليل التأثر.
ضحك صاحبه وقال :
بل أنت حبيب ، قريب متألق..
وما أسعدني أن يكون لي أخٌ مثلك
يفرح بالنصيحة ، ويشكر عليها ، ويطرب للفائدة ويدعو لقائلها ،
ويهتز للعتاب ويطاطئ راسه اعترافا وقبولا..
اين أجد اليوم مثلك ايها الطيب في هذا العالم الذي أصبح كالبحر ؟؟
حدق صاحبه في وجهه وقدعقدت المفاجأة لسانه ،
وبقي لحظاات كأنما هو لا يصدق ما تسمع أذناه..ثم قال :
وهذه أخرى استفيدها منك ، لقد قلبت الآية ، فجعلتني شيئا وأنا لا شيء..
وصورتني نادراً كاللؤلؤ ، مع أن امثالي _ لا كثر الله منهم _ متوفرون كالفحم.
وإنما بصحبتك أسمو ، وبرفقتك أتباهى ، وبالعيش معك اسعد
..
هتف صاحبه معجبا : الله..الله.!!!
وواصل الآخر حديثه :
أي والله.. لقد قالوا وصدقوا والله : من جاور السعيد ، يسعد..
ولقد رايت ذلك في ذات نفسي..
منذ أن صحبتك ، ورافقتك ، وأنا أجد نفسي مغمورا بسعادة نفسية رائعة،
وراحة وطمأنينة لم اعرفها قبل صحبتي لك..
وحين تغيب مني ، وتنقطع عني ،
احس بشعور غريب وإحساس عجيب ،
أني تضيق عليّ الأرض ولا تزال تضيق وتضيق وتضيق...
وأقول في نفسي جازما :
تلك علامة أني بعدت عن طريق الله سبحانه ، يوم ابتعدت عن أخي ،
وحين غاب عني ، غابت من قلبي شوارقه ، ،
التي لم تكن إلا صدى فيض أنوار قلبه العامر بالإيمان..
صاح صاحبه هنا في انفعال تجلى على وجهه :
حسبك يا أخي.. حسبك يا أخي.. ارفق بي رفق الله بك ،
لا تكسر عنقي من حيث لا تعلم..
مع أني والله الذي لا إله إلا هو :
لا يزيدني كلامك هذا إلا شكرا لله رب العاالمين ،
حيث نشر مني المليح ، وستر مني القبيح ،
فلم يجعل الخلق ترى ألا الطيب المعطر ، بأريج السماء ،
وأخفى عنهم ما لو رأوه لنفروا مني ، وتواصوا بعدم القرب مني..
لله الحمد رب السماوات والأرض.. لا حول لي ولا قوة إلا به سبحانه..
ومن جهة أخرى لا يزيدني إطراؤك هذا إلا محبة لك ، وحرصا عليك ،
ذلك لأنه يتأكد لي أنك طيب القلب منور السريرة ،
حيث انك تراني بعيون الصالحين التي لا ترى الا المليح فتذكره وتنشره ،
وتتعامى عن القبيح وتنساه كأنها لم تره..
كما قيل:
وعين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ ---ولكن عين السخطِ تبدي المساويا
لله درك أيها الأخ الحبيب ، ولا يسعني إلا أن أقول :
اللهم اجعلني خيراً مما يظنون ، ولا تؤاخذني بما يقولون ،
واغفر لي ما لا يعلمون.. اللهم إني أعلم بنفسي منهم ، وأنت اعلم بنفسي مني ،
وقد اثنوا بما أظهرته لهم ، فلا تفضحني بما سترته عنهم ،
وكما أكرمتني في دنياي بعدم الفضيحة ،فاسترني في أخراي بجميل سترك يا منان..
وإلا فإنني كما قال القائل :
إلهي لا تعذبني فإني --- مقر بالذي قد كان مني
وما لي حيلةٌ إلا رجائي --- وعفوك إن عفوت وحسن ظني
وكم من زلة لي في الخطايا --- وأنتَ عليّ ذو فضلٍ ومنِ
اذا فكرتُ في ندمي عليها --- عضضتُ أناملي وقرعتُ سني
أجنّ بزهرة الدنيا جنونا --- وأقضي العمرَ فيها بالتمني
ولو أني صدقت الزهدَ فيها --- قلبتُ لأهلها ظهرَ المِجنّ
وبينَ يديّ مٌحتبسٌ طويلٌ --- كأني قد دُعيتُ له ، كأني
يظنُ الناسُ بي خيراً وإني --- لشرُ الناسِ ، إن لم تعفُ عني
كان صاحبنا يترنم بالأبيات بنبرة خاشعة مؤثرة ،وقد أغمض عينيه كأنما يناجي ربه ،
منقطعا عن العالم من حوله ،وبينما كان مسترسلا في مناجاته ، وحروفه تضطرب على بوابة شفتيه ،
وأخذ يردد البيت الأخير بصوت متهدج ، وقلب محترق..ما راعه إلا أن يسمع بكاء صاحبه ونشيجه ،
ففتح عينيه ليرى دموع صاحبه قد انسابت على خديه فزادت وجهه إشراقا.فصمت وقلبه يغلي بمعاني السماء..
صمت لتحلق روحه في هذه الأجواء السماوية الخاشعة التي تحفها الملائكة
ثم أخذ يتمتم بالدعاء لنفسه ولأخيه وللإسلام والمسلمين تحت كل سماء..
وكأنما هتفت الملائكة وهي تتابع هذا المشهد وتحضر هذا الحوار الشجي :
يا إلهي.. ما أروع الإخوة في الله ، والحب فيه ومن أجله..!!
ثم شرعت تدعو لهما وتستغفر لهما ، وتنشغل بهما..
حتى إذا قاما وتفرقا سكتت.. !
حقا ما أعظم الحب في الله أوليس المتحابون في الله يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله
[center]