Mr.ELziny المدير العام
عدد الرسائل : 92 العمر : 31 تاريخ التسجيل : 14/09/2007
| موضوع: رحلة الاسلام, السبت ديسمبر 08, 2007 11:46 pm | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فإن السعادة هدف منشود ، ومطلب مُلِح ، وغاية مبتغاة. وكل إنسان يعيش على وجه الأرض يسعى لإسعاد نفسه ، وطرد الهم عنها. ولقد حرص الكتاب ، والمفكرون ، والفلاسفة ، والأدباء ، والأطباء على البحث في أسباب جلب السعادة ، وطرد الهم ؛ ولكل وجهة هو موليها ، وقد علم كل أناس مشربهم. ومع ذلك فإن السعادة التي يصل إليها أكثرهم سعادة مبتورة ، أو ناقصة ، أو وهمية أشبه ما تكون بالمخدر يتناوله متعاطيه ، فيشعر بنشوة أول وهلة ، حتى إذا ذهب أثره رجعت إليه الأحزان أضعافاً مضاعفة. والسبب أن أولئك يغفلون أصل الأصول في جلب السعادة الحقة ، ألا وهو الإيمان بالله - عز وجل - فذلك سر السعادة وطريقها الأقوم ؛ فلا يجد السعادة الحقة الدائمة إلا من آمن بالله ، واهتدى بهداه ؛ فهناك يسعد في دنياه وأخراه. وهذا الكتاب الذي بين يديك يدعوك إلى السعادة العظمى ؛ لأنه يهديك إلى الإيمان بربك الذي خلقك ، ويدلك على الاعتقاد الحق الذي يؤيده عقلك السليم ، وفطرتك السوية ، والذي تعرف من خلاله بداية خلق الإنسان ونهايته ، والحكمة من إيجاده ، وغير ذلك مما ستجده في الصفحات التالية. فهذا الكتاب يعرفك بدين الإسلام الذي ختم الله به الأديان ، وارتضاه لجميع عباده ، وأمرهم بالدخول فيه. و سيتضح لك من خلاله عظمة هذا الدين ، وصحة ما جاء به ، وصلاحه لكل زمان ، ومكان ، وأمة. وإذا أردت التفصيل بعد ذلك فما عليك إلا أن تبحث بنفسك ، وأن تسأل عما يشكل عليك ؛ فالإسلام دين مفتوح لا يغلق في وجه أحد ، ولا يضيق بالأسئلة مهما كثرت وتنوعت ؛ فلكل سؤال في دين الإسلام جواب، ولكل قضية حكم. فإلى موضوعات الكتاب ، والله المستعان ، وعليه التكلان ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.محمد بن إبراهيم الحمد 5/4/14120 هـ.قصة البشريةتبدأ قصة البشرية منذ أن خلق الله أبا البشر آدم - عليه السلام - حيث خلقه الله بيده الكريمة من طين ، ونفخ فيه من روحه ، وعَلَّمَهُ أسماء الأشياء كلها من الطيور ، والدواب ، وغير ذلك ، وأمر الملائكة أن يسجدوا لآدم ؛ زيادة في التكريم والتشريف ؛ فسجدوا كلهم إلا إبليس أبى واستكبر ، فأهبطه الله من ملكوت السماوات ، وأخرجه ذليلاً مدحوراً ، وقضى عليه باللعنة ، والشقاء ، والنار. وبعد ذلك سأل إبليس ربَّه أن يُنظِرَه إلى يوم القيامة ، فقال الله : { إنك من المنظرين } فقال إبليس : { فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } ، وقال : { فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين } فقال الله - عز وجل - { اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين } فأخرجه الله من الجنة ، وأعطاه القدرة على الوسوسة والإغواء ، وأمهله إلى يوم القيامة ؛ ليزداد إثما ، فتعظم عقوبته ، ويتضاعف عذابه ، وليجعله الله محكا يتميز به الخبيث من الطيب.
ثم بعد ذلك خلق الله من آدم زوجه حواء ؛ ليسكن إليها ، ويأنس بها ، وأمرهما أن يسكنا دار النعيم الجنة التي فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وأخبرهما - عز وجل - بعداوة إبليس لهما ، ونهاهما عن الأكل من شجرة من أشجار الجنة ؛ ابتلاءاً وامتحاناً ؛ فوسوس لهما الشيطان ، وزين لهما الأكل من تلك الشجرة ، وأقسم لهما أنه لهما من الناصحين ، وقال : (( إن أكلتما من هذا الشجرة كنتما من الخالدين )) فلم يزل بهما حتى أغواهما ، فأكلا من الشجرة ، وعصيا ربهما ؛ فندما على ما فعلا أشد الندم ، وتابا إلى ربهما ، فتاب عليهما ، واجتباهما ، لكنه أهبطهما من الجنة دار النعيم إلى الدنيا دار النصب والتعب ، وسكن آدم الأرض ، ورزقه الله الذرية التي تكاثرت ، وتشعبت إلى يومنا الحاضر ، ثم توفاه الله ، وأدخله الجنة. ومنذ أن أهبط الله آدم وزوجته إلى الأرض والعداوة قائمة مستمرة بين بني آدم من جهة ، وبين إبليس وذريته من جهة. و منذ ذلك الحين وإبليس وذريته في صراع دائم مع بني آدم ؛ لصدهم عن الهدى ، وحرمانهم من الخير ، وتزيين الشر لهم ، وإبعادهم عما يرضي الله ؛ حرصاً على شقائهم في الدنيا ، ودخولهم النار في الآخرة.ولكن الله - عز وجل - لم يخلق خلقه سدى ، ولم يتركهم هملاً ، بل أرسل إليهم الرسل الذين يبينون لهم عبادة ربهم ، وينيروا لهم دروب الحياة ، ويوصلوهم إلى سعادة الدنيا والآخرة ، فأخبر - سبحانه - الجن والإنس أنه إذا أتاكم مني كتاب ، أو رسول يهديكم لما يقربكم مني ، ويدنيكم من مرضاتي فاتبعوه ؛ لأن من اتبع هدى الله ، وآمن بكتبه ورسله ، وما جاء في الكتب ، وما أمرت به الرسل فإنه لا يخاف ، ولا يضل ، ولا يشقى ، بل تحصل له السعادة في الدنيا والآخرة. وهكذا بدأت قصة البشرية ، فعاش آدم ومن بعده ذريته عشرة قرون وهم على طاعة الله، وتوحيده ، ثم حصل الشرك ، وعُبِد غير الله مع الله ؛ فبعث الله أول رسله وهو نوح - عليه السلام - يدعو الناس إلى عبادة الله ، ونبذ الشرك. ثم تتابع الأنبياء والرسل من بعده على اختلاف بينهم في الأزمنة ، والأمكنة ، وبعض الشرائع ، وتفاصيلها مع الاتفاق في الأصل وهو الدعوة إلى الإسلام ، وعبادة الله وحده ، ونبذ ما يعبد من دونه. إلى أن جاء إبراهيم - عليه السلام - فدعا قومه إلى ترك عبادة الأصنام وإفراد الله بالعبادة ، ثم كانت النبوة في ذريته من بعده في إسماعيل و إسحاق ثم كانت في ذرية إسحاق. ومن أعظم الأنبياء من ذرية إسحاق ، يعقوب ، ويوسف ، وموسى ، وداود ، و سليمان ، و عيسى - عليهم السلام -. ولم يكن بعد عيسى نبي من بني إسرائيل. وبعد ذلك انتقلت النبوة إلى فرع إسماعيل ؛ فكان أن اصطفى الله - عز وجل - محمداً - صلى الله عليه وسلم - ليكون خاتماً للأنبياء ، والمرسلين ، ولتكون رسالته هي الخاتمة ، وكتابه الذي أنزل إليه وهو القرآن هو رسالة الله الأخيرة للبشرية. ولهذا جاءت رسالته شاملة ، كاملة ، عامة للإنس والجن ، العرب وغير العرب ، صالحة لكل زمان ، ومكان ، وأمة وحال ؛ فلا خير إلا دلت عليه ، ولا شر إلا حذرت منه ، ولا يقبل الله من أحد دينا سوى ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -. بعثة النبي محمد وخلاصة سيرته - صلى الله عليه وسلم - الحديث عن بعثة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وسيرته يطول ، ولقد أفرد العلماء في هذا الشأن كتباً كثيرة. والمجال هنا لا يتسع للإطالة والإسهاب ، وقد مر بنا في الفقرة الماضية أن رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي الرسالة الخاتمة ، وأن الكتاب الذي أنزل إليه وهو القرآن هو آخر الكتب السماوية.
ولعل الحديث في الأسطر التالية يتناول الموضوعات التالية من السيرة المباركة:
أولا: مهيئات النبوة: لقد هيئا الله - عز وجل - للنبي - صلى الله عليه وسلم - مهيئات كثيرة كانت إرهاصات لبعثته ونبوته ، فمن ذلك ما يلي:
1- دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى - عليهما السلام - ورؤيا أمه آمنة : يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه : (( أنا دعوة إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له بصرى من أرض الشام)) ومعنى الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : أنا مصداق دعوة إبراهيم الخليل - عليه السلام - لأن إبراهيم لما كان يرفع القواعد من الكعبة في مكة ومعه ابنه إسماعيل كان يقول - كما أخبرنا الله عنه في القرآن - : { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم} . فاستجاب الله دعوة إبراهيم وإسماعيل فكان النبي الخاتم محمداً - عليه الصلاة و السلام - من ذريتهما. أما قوله : (( وبشرى عيسى )) فإن نبي الله عيسى - عليه السلام - قد بشر بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كما أخبر الله عنه في القرآن فقال: { وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } فعيسى - عليه السلام - هو آخر نبي من أنبياء بني إسرائيل ، وليس بينه وبين محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي . فعيسى بَشَّر بنبي يأتي من بعده اسمه أحمد ، وأحمد من أسماء النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - . أما رؤيا أمه فقد رأت رؤيا صادقة ؛ ذلك أن أمه لما أخذها المخاض ، فوضعته تَمَثَّل لعينيها ذلك النور الذي أضاءت له بصرى من أرض الشام.
2- كون النبي - صلى الله عليه و سلم - خرج في أمة العرب : تلك الأمة التي فُضِّلَتْ على غيرها من الأمم أنذاك ، حتى استعدت لهذا الإصلاح الروحي المدني العام ، الذي اشتمل عليه دين الإسلام ، بالرغم مما طرأ عليها من الأمية ، وعبادة الأصنام ، وما أحدثت فيها غلبة البداوة من التفرق والانقسام. ومع ذلك فقد كانت أمة العرب متميزة باستقلال الفكر ، وسعة الحرية الشخصية ، في الوقت الذي كانت الأمم الأخرى ترسف في عبودية الرياستين الدينية والدنيوية ، محظوراً عليها أن تفهم غير ما يلقنها الكهنة ، ورجال الدين من الأحكام الدينية ، أو أن تخالفهم في مسألة عقلية ، أو كونية ، كما حظرت عليها التصرفات المدنية والمالية. وكانت أمة العرب - أيضاً - متميزة باستقلال الإرادة في جميع الأعمال أيام كانت الأمم مُذَلَّلَةً مُسَخَّرة للملوك والنبلاء ، المالكين للرقاب والأموال بحيث يستخدمونهم كما يستخدمون البهائم ؛ فلا رأي لهم في سلم ، ولا حرب ، ولا إرادة لها دونهم في عمل ولا كسب. وكانت أمة العرب ممتازة بعزة النفس ، وشدة البأس ، وقوة الأبدان والقلوب ، أيام كانت الأمم مؤلفة من رؤساء أفسدهم الإسراف والترف ، ومرؤوسين أضعفهم البؤس والشظف ، وسادة أبطرهم بغي الاستبداد ، و مُسَوَّدين أذلَّهم قَهْرُ الاستعباد. وكانت أمة العرب أقرب إلى العدل بين الأفراد ، وكانت ممتازة بالذكاء ، وكثير من الفضائل الموروثة والمكتسبة كإكرام الضيف ، وإغاثة الملهوف ، والنجدة ، والإباء ، وعلو الهمة ، والسخاء ، والرحمة ، وحماية اللاجىء ، وحرمة الجار - أيام كانت الأمم مرهقة بالأثرة ، والأنانية ، والأنين من ثقل الضرائب والأتاوى الأميرية. وكانت أمة العرب قد بلغت أوج الكمال في فصاحة اللسان ، وبلاغة المقال مما جعلها مستعدة للتأثر ، والتأثير بالبراهين العقلية ، والمعاني الخطابية ، والشعرية ، وللتعبير عن جميع العلوم الإلهية والشرعية ، والفنون العقلية ، والكونية - أيام كانت الأمم الأخرى تنفصم عرى وحدتها بالتعصبات الدينية والمذهبية ، والعداوات العرقية. وأعظم مزية امتاز بها العرب أنهم كانوا أسلم الناس فطرة بالرغم من أن أمم الحضارة كانت أرقى منهم في كل فن وصناعة. والإصلاح الإسلامي مبني على تقديم إصلاح النفس باستقلال العقل ، والإرادة ، وتهذيب الأخلاق على إصلاح ما في الأرض من معدن ، ونبات ، وحيوان. وبهذا كان الله - عز وجل - يعد هذه الأمة للإصلاح العظيم الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -.
3- شرف النسب : فقد كان نسبه - عليه الصلاة والسلام - أشرف الأنساب ، وأصرحها. قال تعالى : { إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } فالله - عز وجل - اصطفى هؤلاء إذ جعل فيهم النبوة والهداية للمتقدمين ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفى من بني هاشم سيد ولد آدم محمدا - صلى الله عليه وسلم - فكان آل إسماعيل أفضل الأولين والآخرين ، كما كان بنو إسحاق أفضل المتوسطين. تحياتى لكم | |
|